كانت السماء صافية وقت العصر ، ورافت بجوار والده امام منزلهم الواقع في اطراف بلدة طوباس ، وطائرة الاباتشي تحلق في سماء البلدة ، تنتظر فريستها الموعودة ، وما كان من رافت الا ان نظر الى والده وقال له بانتسامة رقيقة : هذه الطائرة لي ، لقد اتت لاغتيالي ..
لقد حانت ساعة الشهادة …لم ياخذ الوالد والاهل كلام رافت على محمل الجد ودعوا له بالسلامة ، بعد ان اوصوه بالصلاة والعبادة ما دام حيا ، امتشق رافت سلاحه من نوع ام 16 على كتفه ، وركب سيارته وناطلق نحو المجهول ، وكانت كما قال : لحظاته الاخيرة ، دقائق معدودة واذ بانفجار يهز طوباس ، صواريخ الاباتشي تنهال على سيارتين ، احداهما تنجح في الافلات ، واخرى تصاب في المقتل ، مطلوبون كثر في السيارتين ، الجرحى منهم ينقلون بسرعة الى مكان امن ، ومن بينهم مسئول محلي في كتائب القسام "سلمان سياجات والذي اعتقل قبل نحو شهر " والذي اصيب بجراح طفيفة ، خمسة شهداء حصيلة ذلك الهجوم اربعة منهم مدنيون بينهم طفلتين مرتا في المكان ، وناشط من حماس في بلدة تياسير المجاورة يدعى يزيد عبد الرازق ، والقسامي المجاهد رافت قدري دراغمة ، وصل الوالد المؤمن الى مكان الحادث وقت وقوعه ، وقال لهم ..انا متاكد ان ابني رافت معهم ، يقول ابو رافت : كان قلبي يحدثني انه كان معهم ، الا ان الحضور قالوا له ان رافت ليس معهم ، ومن المرجح ان هؤلاء الشهداء هم مطلوبون قادمون من مدينة جنين ، وكان الرصاص ما زال يتطاير مفرقعا من السيارة نتيجة الانفجار ، والجثامين مشوهة حد اختفاء الملامح ، وفي نهاية المطاف تبين ان مقاتلا شرسا من مقاتلي كتائب القسام قد طويت صفحته بتاريخ 29-8-2002 ، عشرة ايام هي التي فصلت استشهاد هذا المقاتل عن استشهاد القائد العظيم الشيخ نصر جرار في ذات البلدة التي حضنت خلال انتفاضة الاقصى العشرات من مقاتلي القسام ، لقد راى الشيخ نصر جرار في هذا الشاب ذو البشرة السمراء مقاتلا عنيفا مخلصا لوطنه وقضيته ، فقرر ان يضمه الى الكتائب ، وكان يمازحه دائما "..ساقوم بتزويجك عن قريب يا رافت " ولا يعلم ان كان ابو صهيب حينها قد قصد ان يزوجه من الحور العين ام من الحور الطين؟ الا ان والده يقول .. لقد رفض دائما فكرة الزواج ، وكلما كنت الح عليه في ذلك ، كان يبتسم وينتقل الى حديث اخر ، كيف لا وقد عقد العزم على الزواج من نساء الجنة ،
تذكر هذا المقاتل معظم ساحات المواجهة في محافظة جنين ، فقد شارك في جميع الاجتياحات المتلاحقة للمدينة والمخيم عدا الاجتياح الاخير في شهر نيسان الماضي ، وقد عرف عنه الجراة ورباطة الجاش ، وكان له دور مميز في المعركة التي دارت على ارض طوباس بتاريخ 5-4-2002 واستشهد خلالها ستة من كوادر الكتائب ، وذلك حين تنادى المقاتلون من اجل فك الحصار عن المنزل الذي تواجدوا فيه ، في اشتباك دام نحو سبع ساعات ،
قبل ان يلتحق رافت بكتائب القسام في بداية العام الماضي ، كان له سجل طويل من الجهاد والنضال ، فقد كان مقاتلا يعمل مع الجميع مع كل من اراد ان يحمل روحه على اكفه ليجاهد في سبيل الله ، ففي بدايات هذه الانتفاضة شارك مع المعتقل ابو الاديب من الجبهة الديمقراطية في طوباس ، وذلك في تنفيذ عملية قتل بنيامين كهانا وزوجته في اوائل العام 2001 ، كما انه شارك ايضا في العديد من العمليات مع الشهيد محمد بشارات وذلك قبل استشهاد محمد في اواسط العام 2001 ، اما رفيق دربه فكان الشهيد القسامي اشرف دراغمة ، يمتشقان السلاح معا في مجموعة واحدة ويمطران بها فلول الجيش الصهيوني ومستوطنيه في الاغوار ، وكان له علاقة حميمة مع القائد الراحل قيس عدوان ،وبعد استشهاد اشرف بتاريخ 5-4-2002 ، عمل رافت مع الشيخ نصر جرار والمعتقل القسامي مازن فقهاء والشهيد القسامي عاصم صوافطة ، الى ان لحق بهم جميعا شهيدا كما احب ،
ولد رافت قدري عبد اللطيف دراغمة بتاريخ 28-7-1975 ، لاسرة مكونة من ثلاثة ذكور وسبعة اناث ، والتحق في العام 1996 بجهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطيني ، حيث كان شغوفا بالتدرب على السلاح واقتنائه باية طريقة ، وكان دائم الامتعاض من بعض التوجهات لافراد الاجهزة ، وذلك في عدم توجيه السلاح وجهته الصحيحة ، كان يساعد والده في الزراعة ، وهو ابنه الاكبر ، والد قل ان تجد له مثيلا الا بين المؤمنين الاطهار ، قال لنا ابو قدري " ..اللي بخاف من الشهادة جبان ، الوطن بده تضحية ، نقاتل في سبيل الله ، وان لم يكن من يقاتل هو ابني وابنك ، فمن سيكون " ، كلمات لها معاني خاصة وهي تصدر عن اب لشهيد ، الذي قال حين اعلم ان ابنه قد استشهد " الحمد لله ، الله يعطيها لكل انسان مؤمن " وكذا كان حال الام والاخوة والاخوات .